الرجل الشيطان
جاك الواثب : الشخصية التي أثارت الذعر في لندن
بقلم :هيثم محمد خوجه
يعتبر جاك الواثب أحد الشخصيات الفلكلورية الأكثر شهرة في العصر الفيكتوري
في لندن. وتعود مشاهداته المزعومة إلى عام 1837، مع تقارير عن مواجهات
قريبة مروعة مع شيطان شرير يرتدي معطفاً مشمعاً و وشاح أسود طويل محاطاً
بهالة مخيفة، و يتجشأ كرات من اللهب على ضحاياه, وكان يحمل مخالب حديدية في
يديه ويرتدي درعا معدنيا غريباً، و يمتلك قدرة عجيبة على القفز حيث شوهد
وهو يقفز من فوق أسوار لندن العالية ولذلك أًطلقوا عليه جاك الواثب, مع
إمكانياته المذهلة على الزحف بكل سهوله. كان جاك الواثب يجوب شوارع لندن
قافزاً و يتصيد المشاة الذين يعبرونها لوحدهم.
و خلال العقدين بين عامي
1870 و 1890, بدأ جاك يتخذ شكلاً و شخصية أكثر ميلاً لأن يكون شيطانياً,
مع المزيد من المشاهدات التي يؤكد أصحابها رؤيتهم له بجناحين بدلاً من
الوشاح مع القليل من الملابس. ويقول الشهود انه كان يرتدي قناعاً بشكل
(الشرير أو الشيطان), أو أن وجهه كان كذلك بالفعل. لكن الشيء الذي بقي من
دون تغيير طوال تلك السنين هو حذائه الأسود اللامع.
الحادثة الأولى
بينما كانت الخادمة ماري ستيفنز في طريقها إلى مقر عملها في لافندر هيل في
أكتوبر من عام 1837 قادمة من زيارة والديها, تعرضت لهجوم من قبل شخص مغطى
بوشاح أسود طويل, وثب عليها فجأة من حيث لا تعلم و قبض عليها بيديه ليمنعها
من الحركة, و قام بتمزيق ملابسها و تقبيلها على وجهها, فقامت ماري بالصراخ
مرعوبة, مما جعله يفر من ساحة الجريمة من دون أثر.
في اليوم التالي
للحادثة، اختار هذا الواثب الغريب ضحية مختلفة جدا بالقرب من منزل ماري
ستيفنز، مدشناً بها طريقة جديدة من شأنها أن تعود للظهور مراراً و تكراراً
في تقارير لاحقة. فقد قفز في طريق عربة عابرة، مما تسبب في جعل الحوذي يفقد
السيطرة على العربة، وجعلها تتحطم، و تعرض الحوذي نفسه إلى الأذى الشديد.
ادعى عدد من الشهود أنه هرب من المكان قافزاً من فوق جدار يبلغ ارتفاعه 9
أقدام (2.7 متر) وهو يضحك بهذيان عالي النغمة. انتشرت أخبار هذه الشخصية
الغريبة و أطلقت عليه الصحف لقب جاك الواثب.
بعد مرور عام على أول ظهور
لجاك في 9 يناير 1838, وقف السير جون كوان عمدة لندن أمام الجمهور في بيت
القصر, ليقرأ رسالة مجهولة أرسلت إليه عن الشيطان المعروف باسم جاك الواثب
قد احتفظ بها في مكتبه لمدة محاولاً أن يحصل على المزيد من المعلومات قبل
أن يظهرها للعلن, ذيلت الرسالة بإسم "أحد سكان بيكهام"، قرأ العمدة أمام
المشاهدين الفضوليين النص التالي:
"يبدو أن بعض الأفراد (برأي كاتب
الرسالة هم من طبقة نبيلة) قد وضعوا رهانا مع أحد رفاقهم , وهو رفيق مؤذ
ومتهور، بموجب هذا الرهان تحدوا جرأة وعزيمة ذاك الرفيق في أن يقوم بمهمة
يزور بموجبها بعض القرى القريبة من لندن متنكرا في ثلاثة هيئات مختلفة -
شبح، و دب، وشيطان؛ وعلاوة على ذلك، أن يدخل بستان رجل محترم لغرض إثارة
قلق سكان المنزل. وعلى الرغم من صعوبة المهمة فقد تم قبول الرهان، ونجح ذلك
الرفيق الشرير في جعل سبع سيدات يفقدن رشدهن، اثنتان منهن من غير المحتمل
أن يتعافين من ذلك، وسيصبحن عبئاً على أسرتيهما.
عند أحد المنازل وقف
ذلك الرجل الشرير وقرع الجرس , فأتت الخادمة لتفتح الباب , لتجد ذلك الرجل
الذي هو أسوأ من الوحوش وقفا أمامها بهيئة لا تقل إرعابا عن الأشباح وقد
تلبس رداءها بشكل مثالي, وطبعا كانت النتيجة هي أن الفتاة المسكينة أصيبت
بالإغماء فوراً , ومنذ تلك اللحظة لم تعد إلى رشدها أبداً.
هذه القضية
مازالت تجري منذ بعض الوقت, ومن الغريب القول هو أن الصحف ألتزمت الصمت
بخصوص ذلك , إن كاتب الرسالة لديه سبب وجيه ليعتقد أنهم يملكون تاريخاً
كاملاً عن الموضوع لكنهم ولدوافع تهمهم يلتزمون الصمت" .
حين انتهى
العمدة من قراءة الرسالة بدا متشككا إلى حد من مضمونها ، لكن أحد الحضور
أكد له أن بعض الخادمات في كنسينغتون، هامرسميث وإيلينغ، أخبرن الناس قصصا
مروعة عن هذا الشبح أو الشيطان. وقد تم التطرق لهذه المسألة في صحيفة
التايمز يوم 9 يناير، وصحف وطنية أخرى في 10 يناير , وخلال الأيام التي تلت
أظهر العمدة للناس أكوام من الرسائل التي وصلت إليه من جميع أنحاء لندن
تحمل شكاوى عن حدوث المزيد من هذه "المزحات" السمجة الشريرة .
كمية
الرسائل التي كانت ترسل إلى بيت القصر تشير إلى أن القصص عن جاك الواثب
كانت منتشرة في ضواحي لندن على وجه الخصوص. وقال أحد الكتاب أن العديد من
النساء الشابات في هامرسميث عانين من "نوبات خطيرة من الرعب" وبعضهن أصبن
بجروح خطيرة من قبل نوع ما من المخالب التي كان ذلك الآثم يضعها في يديه,
وادعى مراسل آخر أنه في ستوكويل، بريكستون، كامبرويل وفوكسهول لقي عدة
أشخاص حتفهم بسبب الخوف ؛ وفي الوقت نفسه، ذكرت تقارير أخرى ظهور المحتال
مرارا وتكرارا في لويشام وبلكهث.
كان العمدة محتارا من هذه القضية, فمن
جهة كان هو يعتقد انه تم تضخيم هذا الموضوع و إعطاؤه اكبر من مما يستحق,
لأنه من المستحيل أن يكون هناك شبح يؤدي أعمال الشيطان و مفاخره على الأرض,
لكن من جهة أخرى فقد أخبره أحد الأشخاص الذين يثق بهم كثيراً عن ظهور هذا
الشبح أمام خادمة في فورست هيل وهو يرتدي جلد دب وقد قام بإرعابها حتى
الموت , كان العمدة واثقا انه سيلقي القبض على هذا الشخص الذي يقوم بهذه
المسرحيات الإيمائية الشريرة وسوف تتم معاقبته. و تم إعطاء رجال الشرطة
التعليمات بالبحث عن الشخص المسئول عن كل هذا وإلقاء القبض عليه, وتم عرض
المكافآت الضخمة لمن يساعد في إلقاء القبض عليه.
حوادث أخرى غامضة
تعتبر الحادثة التي تعرضت لها جين آلسوب إحدى أكثر الحوادث التي نالت شهرة
وانتشاراً واسعاً, حيث نشرت تفاصيلها في بعض أكثر الصحف قراءة وانتشارا في
ذلك الزمان .
جين سردت ما حدث معها كالآتي :
" في ليلة 19 فبراير
كنت في منزل والدي عندما سمعت طرقا على الباب , وعندما سألت من الطارق ,
سمعت صوت رجل يقول أنه شرطي ويطلب مني أن أجلب له مصباحاً زاعما بأنهم
القوا القبض على جاك الواثب في الزقاق . لما فتحت الباب شاهدت شخصاً يرتدي
معطفا طويلا يقف أمام الباب. وحين ناولته الشمعة ألقى الرجل معطفه فجأة ،
كاشفا عن هيئة في غاية البشاعة والرعب , ورأيته يتقيأ لهباً أزرق وأبيض من
فمه , وكانت عيناه أشبه بكرتان حمراوتان من اللهب. وكان يرتدي خوذة ضخمة ,
وبدا أن معطفه كان ضيقاً بالنسبة إلى مقاسه, وكان مصنوعاً من القماش
المشمع, و من دون أن ينطق بكلمة امسك بي وقام بتمزيق ثيابي , لكني صرخت
طلبا للنجدة وتمكنت من أن أفلت من قبضته ثم ركضت إلى داخل المنزل لكنه
لحقني و أمسك بي عند الدرج وأحدث خدوشا دامية على رقبتي وذراعي بمخالبه
التي كانت حتما مصنوعة من مادة معدنية لأنها كانت باردة كالثلج , ولحسن
الحظ فقد هرعت شقيقتي مسرعة لمساعدتي وعلى وقع صراخها لاذ ذلك الشرير جاك
بالفرار ".
بعد ثمانية أيام على ذلك الهجوم الدامي , في الثامن و
العشرون من فبراير 1838, كانت لوسي سكيل ذات الثمانية عشرة عاماً و شقيقتها
عائدتين من زيارة شقيقهما الجزار الذي يعيش في ليمهاوس, وأثناء مرورهما
بأحد الأزقة لاحظتا وجود شخص يرتدي عباءة سوداء طويلة يقف عند إحدى زوايا
الطريق, في تلك اللحظة كانت لوسي تتقدم شقيقتها , وعندما مرت بالقرب من ذلك
الشخص قذف في وجهها لهباً أبيضاً حرمها من الإبصار, فسقطت على الأرض في
نوبة ذعر استمرت لساعات.
يقول شقيق لوسي انه بعد رحيلهما من عنده ببضع
دقائق سمع صراخ إحداهما, فركض مسرعا باتجاه الزقاق ليجد لوسي على الأرض
وشقيقته الأخرى تحاول أن تهدئ من روعها, فقام بحمل شقيقته إلى المنزل , وقد
أخبرته الشقيقة الأخرى بأن المعتدي كان طويلاً و نحيلاً و يبدو من مظهره
انه رجل نبيل, وكان مغطى بالكامل بعباءة كبيرة, و يحمل مصباحاً صغيراً, و
أضافت انه لم يتحدث و لم يحاول لمسهما, بل ألقى اللهب في وجه شقيقتها ثم
ذهب مسرعاً .
تم التحقيق مع العديد من الأشخاص, لكن جميع الجهود التي بذلتها الشرطة للكشف عن هذا الشخص أو المخلوق لم تؤدي إلى نتيجة.
جريدة برايتون أوردت تقريرا غريبا في 14 أبريل عام 1838 عن تعرض احد
البستانيين إلى نوبة رعب بعد مواجهته لمخلوق غريب لا يعرف ما هي طبيعته،
ويروي التقرير أن جاك الواثب على ما يبدو، وجد طريقه لساحل ساسكس, ففي 13
أبريل، ظهر جاك الواثب أمام بستاني على هيئة دب أو أحد الحيوانات التي تسير
على أربع, و يحمل التقرير بعض العلامات التي تؤكد أن الذي هجم على
البستاني هو جاك الواثب. فقد سمع البستاني صوت دمدمة كصوت الدب مما لفت
انتباه ليجد مخلوق لا يعرف ماهيته، تسلق بعد ذلك جدار الحديقة وركض على
أطرافه الأربعة على طول الجدار، قبل أن يقفز إلى أسفل داخل البستان ويبدأ
مطاردة البستاني لبعض الوقت. و بعد أن أرعب البستاني تسلق الجدار وقفز منه
إلى الناحية الأخرى.
في أغسطس عام 1877، في ثكنة عسكرية واقعة في شمال
شرقي انجلترا، اعترض شخص ذا هيئة غريبة فجأة طريق احد الخفر الذي كان يقوم
بدوريته ثم تقدم نحوه مسرعاً وانهال عليه صفعاً عدة مرات على وجهه بيديه
ذات المخالب الباردة.
أطلق الخفير النار عليه، ولكن من دون جدوى. ثم
اختفى صاحب الهيئة الغريبة بشكل غامض في قفزات مذهلة. بعد هذه الحادثة وضعت
السلطات في الجيش الأفخاخ في كامل المنطقة من أجل الإمساك به, لكنها لم
تتمكن من ذلك .
أخر مرة شوهد فيها جاك الواثب بشكل مؤكد كانت في
ليفربول في سبتمبر عام 1904, حيث كان يقفز من الشارع إلى أسطح المنازل ثم
يقفز منها عائداً إلى الشارع, وعندما حاول بعض المواطنون الشجعان محاصرته و
القبض عليه, قفز هاربا منهم إلى أعماق الظلام بكل بساطة.
التفسيرات
كما انه كان هناك العديد من المبالغات في تصوير جاك الواثب بأنه مخلوق
خارق خارج عن الطبيعة أثار الرعب في قلوب الناس, فإنه كان هناك العديد من
المشككين في صحة وجود شخصية جاك الواثب, و كان هناك أيضا العديد من
التخمينات والاعتقادات في أن خلف شخصية جاك الواثب أشخاص لديهم حس فكاهي
مبالغ فيه, لا يتورعون عن القيام بأي شيء من أجل الفكاهة و الضحك.
كان
هنري بيرز (ماركيز واترفورد) أحد الأشخاص الذي ظن الكثيرون انه جاك الواثب,
و هذا يتفق مع محتوى الرسالة التي تم إرسالها إلى عمدة لندن و التي يعتقد
كاتبها أن من يقف خلف شخصية جاك الواثب هو أحد الارستقراطيين لذلك لم تجتهد
السلطات في القبض عليه أو محاولة تعقب من وراء هذه الحوادث المخيفة. كانت
الشائعات تتعاظم و تلتف حول النبيل الايرلندي ماركيز واترفورد لما عرف عنه
حبه للنساء و مواجهاته المتعددة مع الشرطة. و كان أسمه منذ عام 1930 يتردد
صداه كثيراً في الأخبار بسبب مشاجراته وهو في حالة سكر, ولما عرف عن مزاحه
العنيف و قيامه بأفعال تخريبية و كان مستعداً لفعل أي شيء من أجل الفوز
بأحد الرهانات التي يضعها له أصدقائه, و قد اكسبه هذا السلوك المتهور لقب
الماركيز المجنون, كما انه كان في لندن عند وقوع أول حادثة. وفي عام 1880
أكد الكاتب كوبهام بروير أن الماركيز كان وراء شخصية جاك الواثب قائلاً :
(إنه كان معتادا على الظهور قافزاً أمام المسافرين على حين غرة لتسلية نفسه
، ولتخويفهم، ومن وقت لآخر كان البعض الآخر يحذوا حذوه في ممارساته
السخيفة) .
الشخص الآخر الذي دارت حوله الشبهات هو توماس ميلبانك الذي
كان يتفاخر بعد حادثة جين آلسوب أنه هو جاك الواثب الذي قام بمهاجمتها, تم
القبض عليه و محاكمته إلا أنه تمت تبرئته لأن جين آلسوب أصرت بأن مهاجمها
كان يتنفس لهباً وهو الأمر الذي أكد ميلبانك انه لا يمكنه القيام به ولذلك
أطلق سراحه.
و قد كان هناك تنوع في التفسيرات التي أعادت هذه الشخصية
إلى أمور خارقة للطبيعة ، بما في ذلك تلك التفسيرات التي ترى انه أنه كان
كيان من خارج الأرض مع مظهر و ملامح غير بشرية (عيون حمراء عاكسة، أنفاسُ
نارية) و سرعته الخارقة المستمدة من الحياة في عالم أكثر خطورة مع قدرته
الغريبة على القفز وسلوكه الشاذ عن الطبيعة. و بعض التفسيرات ترى أنه
شيطان، عن قصد أو غير قصد استُدعى إلى هذا العالم من قبل ممارسي السحر
والتنجيم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق